سورة طه - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)}
{أريناه} بصرناه أو عرفناه صحتها ويقناه بها. وإنما كذب لظلمه، كقوله تعالى: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل: 14] وقوله تعالى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض بَصَائِرَ} [الإسراء: 102] وفي قوله تعالى: {كُلَّهَا فَكَذَّبَ} وجهان، أحدهما: أن يحذي بهذا التعريف الإضافي حذو التعريف باللام لو قيل الآيات كلها، أعني أنها كانت لا تعطي إلا تعريف العهد، والإشارة إلى الآيات المعلومة التي هي تسع الآيات المختصة بموسى عليه السلام: العصا، واليد، وفلق البحر، والحجر، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ونتق الجبل.
والثاني: أن يكون موسى قد أراه آياته وعدّد عليه ما أوتيه غيره من الأنبياء من آياتهم ومعجزاتهم، وهو نبيّ صادق لا فرق بين ما يخبر عنه وبين ما يشاهد به، فكذبها جميعاً {وأبى} أن يقبل شيئاً منها. وقيل: فكذب الآيات وأبى قبول الحق.


{قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57)}
يلوح من جيب قوله: {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ} أن فرائصه كانت ترعد خوفاً مما جاء به موسى عليه السلام، لعلمه وإيقانه أنه على الحق، وأن المحق لو أراد قود الجبال لانقادت وأن مثله لا يخذل ولا يقل ناصره، وأنه غالبه على ملكه لا محالة. وقوله: {بِسِحْرِكَ} تعلل وتحير وإلا فكيف يخفى عليه أن ساحراً لا يقدر أن يخرج ملكاً مثله من أرضه ويغلبه على ملكه بالسحر؟.


{فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)}
لا يخلو الموعد في قوله: {فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً} من أن يجعل زماناً أو مكاناً أو مصدراً. فإن جعلته زماناً نظراً في أن قوله تعالى: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} مطابق له، لزمك شيئان أن تجعل الزمان مخلفاً، وأن يعضل عليك ناصب مكاناً: وإن جعلته مكاناً لقوله تعالى: {مَكَاناً سُوًى} لزمك. أيضاً أن توقع الإخلاف على المكان، وأن لا يطابق قوله: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} وقراءة الحسن غير مطابقة له مكاناً وزمانا جميعاً، لأنه قرأ {يَوْمُ الزينة} بالنصب، فبقي أن يجعل مصدراً بمعنى الوعد، ويقدر مضاف محذوف، أي: مكان موعد، ويجعل الضمير في {نُخْلِفُهُ} للموعد و{مَكَاناً} بدل من المكان المحذوف.
فإن قلت: فكيف طابقه قوله: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} ولا بد من أن تجعله زماناً، والسؤال واقع عن المكان لاعن الزمان؟ قلت: هو مطابق معنى وإن لم يطابق لفظاً، لأنهم لابد لهم من أن يجتمعوا يوم الزينة في مكان بعينه، مشتهر باجتماعهم فيه في ذلك اليوم، فبذكر الزمان علم المكان. وأما قراءة الحسن فالموعد فيها مصدر لا غير. والمعنى: إنجاز وعدكم يوم الزينة. وطباق هذا أيضاً من طريق المعنى. ويجوز أن لا يقدر مضاف محذوف، ويكون المعنى: اجعل بيننا وبينك وعدا لا نخلفه.
فإن قلت: فيم ينتصب مكاناً؟ قلت: بالمصدر. أو بفعل يدل عليه المصدر.
فإن قلت: فكيف يطابقه الجواب؟ قلت: أما على قراءة الحسن فظاهر. وأما على قراءة العامة فعلى تقدير: وعدكم وعد يوم الزينة. ويجوز على قراءة الحسن أن يكون {موعدكم} مبتدأ، بمعنى الوقت. و{ضُحًى} خبره، على نية التعريف فيه لأنه ضحى ذلك اليوم بعينه.
وقيل في يوم الزينة: يوم عاشوراء، ويوم النّيروز، ويوم عيد كان لهم في كل عام، ويوم كانوا يتخذون فيه سوقاً ويتزينون ذلك اليوم. قرئ {نخلفه} بالرفع على الوصف للموعد. وبالجزم على جواب الأمر. وقرئ {سوى} وسوى، بالكسر والضم، ومنوّناً وغير منوّن. ومعناه: منصفاً بيننا وبينك عن مجاهد، وهو من الاستواء؛ لأنّ المسافة من الوسط إلى الطرفين مستوية لا تفاوت فيها. ومن لم ينوّن فوجهه أن يجري الوصل مجرى الوقف. قرئ: {وأن تحشر الناس} بالتاء والياء. يريد: وأن تحشر يا فرعون. وأن يحشر اليوم. ويجوز أن يكون فيه ضمير فرعون ذكره بلفظ الغيبة إما على العادة التي يخاطب بها الملوك، أو خاطب القوم بقوله: {مَوْعِدُكُمْ} وجعل {يُحْشَرُ} لفرعون. ومحل {وَأَن يُحْشَرَ} الرفع أو الجرّ، عطفاً على اليوم أو الزينة: وإنما واعدهم ذلك اليوم ليكون علوّ كلمة الله وظهور دينه وكبت الكافر، وزهوق الباطل على رؤوس الأشهاد وفي المجمع الغاصّ لتقوى رغبة من رغب في اتباع الحق، ويكلّ حدّ المبطلين وأشياعهم، ويكثر المحدث بذلك الأمر العلم في كل بدو وحضر، ويشيع في جميع أهل الوبر والمدر.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11